الهدف من کتابة "النبراس المنیر"
من کتاب النبراس المنير للکاتب عبدالأمير حسوني زاده (الشويکي)
منذ السنوات الماضيـة و بالأَحری عام 1379ﻫ. ش المطابق لعام 2000م عند ماکنت طالبًا في مرحلة الماجستيـر،کانت تُـراودني فکرة الکتابة في مجال اللغة العامية وجذورها الفُصحی، ولکن خِشْيـةَ الغَـرَق في هذا القاموس المُحيط و المُتلاطم، جَـفَّ المِداد وَخَفَتَ صَريرُ القَلَمِ حَتَّی لَحظَة البِدء بالکتابة التي اجتَمَع فيها اليرَاعُ واليرَاعَةُ حَولَ النِبراس، لِيَحتِرِقا مَعًا فيُوَلِّدا نِبـرَاسًا مُنيـرًا، ينيرُ طَريقَ مُحِبِّي لُغَة الضاد و القُرآن الکريم.
وعِندَ ما شَرَعتُ في الکِتابَة إِنتابَنـي هاجِسٌ وَسَأَلتُ نفسي ياتُرَی هَل أَکون کما قال المَثَل: «يخبِطُ
خَبْطَ عشْوَاء» أَو کَحاطِبِ ليلٍ. وخَشيتُ أَن أُقحِـمَ نفسي في مَأزِقٍ لا أَستَطيع الخُروج منه، ولکن بِفضل الله تعالی رأَيتُ لغتنـا العامِيَّة مَعيـنًا لاينْضَب و بَحرًا زاخِرًا کُلّما غاصَ الغَوَّاصُ في لُجَجِهِ و أَعماقهِ، مَلأَ سَلَّتَهُ بالخَـرائِد وَاللآلِيء والجُمانِ التـي تُـزَيَّنُ بها نُحـور الفَتَيات الحِسان، اللواتِي يَمِسنَ کغُصن بَان، في الأَهـواز و الـدَورَق وعَبَّادان.
وعندَ کتابة هذا المعجم کُنتُ مُنهَمِکاً بالتِقـاط المُفرَدات العامِيَّة التـي يتَکَلَّمُ بها عامَّـة الناس، ولهذا
دَأَبتُ علی الإِرتباط الـوثيق بشَتَّی أطياف المجتمع مِن نُخَبٍ و مُثَقَّفيـن وشعراء وخاصَّةً القاطنيـن في القری والأَرياف ومن ثَمَّ البَحث عَن جذورها في معاجم اللغة العربية و الفارسية و الإِنجليزيَّة للتأکد مِن أَصالتها وجذورها الفصحی. وحاولتُ أَن أَکتُب المُفردات التي لها جذور في اللغة الفصحی فقط والمُفـردات التي لم أَجِد لها جُذورًا لم أَذکرها وأَرجَئتُها إِلی زمـنٍ آخر. نحو: «الهَلْثَة و الحَبابُوک و البَشَّة و النَکوَة».
واللُغات ککائن حَيّ يأخُذُ بَعضُها من بَعض کما أَخَذَت الفارسية من العربية وغيرها، أَيضًا اللغة
العـربية أَخذَت من مثيلاتِهاکالفارسية نحو: إِبـريـق وفنجان وغيـره ، ومن الترکية: البُرغِي والقبَّـان ومن السُريانيَّة: الناطـور واللِطاش ، و مِن الهندية: القَـرَنفُل والفلفل.
وأَمَّا البواعث علی کتابَة هذا الکتاب: أَوَّلاً: إنِِّي رَأَيتُ ولازلتُ أَری بَعضَ افراد المُجتمع، جَهلاً لا تعَمُّدًا يستخفُّون بکلامِهم العامي و يظنُّـون أَنَّـهُ ليس لهُ اصـولٌ ولاجـذورٌ و إنَّـه أََتاهم من فراغ ولايعلمـون أَنَّ العاميَّة لها أُصولٌ في الفُصحی. وأَيضًاکلامنا العامِّي لَهُ وَشائِـجٌ وشُجـونٌ ذات
صِلَـةٍ قَـوِيـَّةٌ بلغة القـرآن الکريم ويجِب المُحافَظة عليه، و بَقاءُ کل أُمـَّة بِبقاءِ لُغَتها وثَقافتها. فکيـفَ إِذا کانَت تِلک اللُّغةُ، لُغَـةَ کتابهم (القرآن) وَنَبِيِّهِم.
ثانيًـا: التعرف علی المفردات التي تکادُ أَن تَضمَحِل بسبب التطَـوُّر الاقتصادي والثقافي والتقني و مَکنَنة الـزراعة و إِيصالها إلی الأَجيال القادِمَة حفاظاً علی تاريخ الآباء والأَجداد نحو: الکُبکاب (قبقاب) والمِسَنَّاية والگوساني(مِنجَل الحَصاد) والماط والفِـدان والمِسَلَّة والخيس والفانوس (الفانوص) والصِراي(السراج) و هَلُمَّ جَرًّا.
وليعلَم القارئ الکريم ،انَّ لُغَتَنا العامية مبنيـَّة علی اربع رکائـز: الأُولی: إختزال الکلام اوإختصاره او الحذف لأَجل السرعة و السهولة. وعامَّة الناس يقطعون او يحذفـون حرفاً او أکثر من الکلمة:
ﮐـ«عَجْز و عُجْز»ج أَعْجاز: مُؤَخَّر الشيء أَو الجِسم، ولأَجل سهولة الکلام يحذفـون «الجيم».
الثانيَـة: إِضافَـة حرف او اکثر علی الکلمة نحوَ: «دبلَة» يضـافُ بعد الدال«ن» أَو «م» وتکون
«دِنْبِلـة» أَو«دِمْبِلَة»: داءٌ في الجـوف وخُرَاجٌ ودُمَّـل يظهرُفيـه.و«دَقَـم» يضافُ بعدالدال «ل»
وتکون«دَلقَم»:بمعنی الحزن والهَمّ الشديد ، يقال:فُـلان امدَلْقِم اي:حَزين.
الرکيزة الثالثـة: القَلب نحو:مُفردة «دَلْو» تُُقلب إِلی«دُوْل»، «فَصَعَ» تُقلب إِلی «فَعَصَ». و«رَفْرَف» الطائِر إِلی «فَـرْفَر» واحيانًا يقال «فَـرفَشَ» الطفل بمعنی بکی ورَفْـرَف کالطيـر
المذبـوح.و «شُمـروخ ج شَمَاريخ » الی «شَرمـوخ ج شَراميـخ»: غصنٌ دقيـقٌ رخص ينبتُ في
اعـلی الغصن[العِـذق] الغليظ .
الرکيزة الـرابعَـة : والتي اکثر انتشارًا في اللغة العـاميَّة الا وهـيَ:اَلإبدال:«شَـذر» يُبـدَل «الذال»
الی«ظ»نحـو: شَظر،سَحَـجَ يُبـدَل «الجيم» الی«چ» نحو:سَحَچَ بمعنی: قَشَـرَ.نحو: إِنسَحَچَت
إِطارَات السَيَّـارَة . خَازوق يُبدل «الخاء» الی«ق» نحـو:
قازوق:عمـود طويل محدَّدالرأس.و«جَأَر» يُبدل «الجيم»الی«گ» و«الهمزة» الی«ع»:گِعَر:صاحَ نحو: گِعَرالثور: صاح ، وگِعرَت السيارَة: دَوَت دَويًّاشديـدًا.وباکر: يُبدل «الکاف» إِلی «چ»:باچِر.وثَخين:يُبدل «الثاء»إِلی «ض»:ضخين.
وهذا المُعجم يتکوَّن من ثَلاثة فصول:1-الفصل الأَوَّل وهواللغة العاميَّة التـي لها جُذورٌ في الفُصحی وفي هذا الفصل اوَّلاً أَتيتُ بالمفردة الفُصحی ثُم بما يُنطَقُ بهِ في الکلام العامي المُتَداوَل علی أَلسنة الناس نحو:لَـوَثَ و دَيُّـوث الفُصحی، في العاميَّة: لَعْـوَسَ و دَيُّـوس.
2- الفصل الثانـي وهو فصل اللغات الدخيلَة او المُعَـرَّبَة التي دَخَلت لُغتنا العـربيَّة وخاصَّةً العاميَّة ،فـي هذا االفصل خلافًا للفصل الأَوَّل، أَتيتُ اوَّلاً بالمُفردَة العاميَّة التـي يَنطِقُ بها عامَّة الناس والتي عُـرِّبَت مِن لُغات أُخری ، ثُمَّ تناولتُ أَصل المُفردة.نحـو: في لُغتنا العربيَّة العاميَّة نُسَمِّي الإِناء الخاص لِتسخين الماء لِلشاي: «کِيتْلِي» وهو مَأخوذ من مُفردَة «Kettle» الإِنجليـزيّـَة، و «کوخ» وهو مَأخوذ من اللغَة الفارسية.و«بُوتين» وهو مَأخوذ من مُفردَة«Bottine» الفرنسيَّة.
3- وامَّا الفصل الثالث وهُوَ خـاص بمعانـي الأسماء القديـمة (الخاصَّة بِنا نَحنُ عـرب الأَهواز والعـراق خاصَّةً جُنوبـه)التي کان الناس يُسمُّون بها أَبناءَهُم و غالبًا حَسَب اعتقاداتهِم الغير صحيحة،مَثـلاً کان الناس يُسمُّـون أَبناءَهُم يِـرَيْـو و رُفَيـْش وخَنْفِيْس حَتَّی يَبقون علی قيد الحَياة کما يزعمون باطِلاً، والآن بسبب التطـورات الثقافيَّـة الناتجة من الـوَعي الثقافي أُهمِلت هکذا أَسماء والمُعتقدات وبقية الأَسماء التي لها أَصالة نحو«حُمود وحَمدان وسعدون».
و في کتابتـي لهـذا االقاموس ايقنتُ أَنَّنـانتکلَّم الفُصحی ولکن بطريقـةٍ أُخری. نَحـنُ نستعملُ المُفـردات الفصحی ولکن نحذف أَو نضيف أَو نقلب أَو نبـدل الحُروف بعضها ببعض و بهذا العمل إبتعـدنا عـن اللغة الفُصحی.و أَعتـَرِفُ بأَنِّي لم أحِـط بجميع المُفردات العامِيَّة التي جَرَت عليها هـذهِ التَطَوّرات بِعَفَـوِيةٍ وهُـدوء علی مَر الأَزمان وأَحُيـلَت مِن الفُصحَی إِلی العامِيَّة أَي مايتَکَلَّمُ بِـهِ عامّـَة افـراد المُجتَمَع ، و رُبَّما لم أَذکُـر الکثيـر منها و إِن شاء الله في الطبعات الآتيـة علـی قَـدَر استطاعتـي سَأَتطـرَّقُ إِلی ما لَم يُذکر في هذا المُعجَم.
وأَمَّا لماذا سُمِّـيَ هذا المُعجم بالنِبراس المُنيـر؟ أَقـول:إِنَّ مُفـردَة «النِبراس» بمعنی المِصباح، وقَد
جاءَ ذِکرها في الذِّکر الحکيم.وإِنَّما اخترتُ إِسمَ«النبراس المُنير» لهذا الکتاب تَفاؤُلاً و إِيمـانًا مِنِّي،
بأَنَّهُ سَيضيیء طـريق المُثابـرين لمعـرفَة لُغَتهِم وجذورها الراسخَة في صميم الأَدب و الشعر الجاهِلي الذي نقلهُ لنا الآباءُ والأَجدادُ ، وباعتقادي انَّّ«النِبراس المُنير» اوَّل مُعجَمٍ يَتطَـرَّقُ إِلی اللُّغـة العاميَّـة وجـذورها الفُصحی علی صَعيد المنطقـة، و آمَلُ من القرَّاء الکرام داخل المُحافَظَة
وخارجها أَن يَتَفَضَّلوا علينا بآرائِهِم البَنَّـاءَة وافکارهِم القَيِّمـة.
و في الخِتـام أَرجـو مـن الله المغفـرة والـرضـوان راجيًا قَبـول هذا العَمَـل المُتـواضع الذي لايخلـو من عيبٍ ولانقـصٍ ولا أَدَّعي الکمال فيه، فالکمالُ للهِ عَزَّوجَل وَحـده.وأَرجـو أَن ينال بحثي هذا إِفـادَة ورِضی القُـرَّاء الکرام وخِدمَـة اللَّغَـة العَرَبِيَّة ومُحِبِّيها.